الاثنين، 23 نوفمبر 2015

القيادة التربوية و دورها في بناء الادارة الذاتية


القيادة التربوية ودورها في بناء الإدارة الذاتية


أ. د محمد عثمان كشميري

إن الباعث لهذه المقالة هو الشعور العميق بأهمية القيادة التربوية ودورها في بناء البيئة الإيجابية لثقافة الإنجاز التربوي وتفعيل دور الفرد العامل النشط في أي مهمة يؤديها، ذلك أن نجاح أي تنظيم يتوقف على الطريقة التي يدار بها، وأن النظام التربوي مرهون بنوعية القيادة التربوية فاعليتها وقدرتها على توجيه النشاط التربوي لتحقيق الأهداف المنشودة، والتي تعتمد بصورة اساسية على بناء مقومات الادارة الاستقلالية والمبادارات الفردية الإنسانية الحرة. ان القيادة التربوية الواعية هي المسؤول الأول عن إشاعة ثقافة الانجاز الذاتي المبدع وخلق وتكوين مجتمع يؤمن بأهمية الفكر الإنساني المستقل ودوره في نجاح العمل المؤسسي الصحيح. وانطلاقا من الأهمية البالغة والدور الحيوي للإدارة والقيادة التربوية للارتقاء بالمؤسسات التربوية والنهوض بها في مختلف مستوياتها ومجالات عملها تتضح ضرورة تطويرها وتحديثها فلسفةً وتنظيماً باعتبارها الإدارة القادرة على صنع التربية المستقبلية وتجديد نوعيتها ومواكبة مستجداتها وتقنياتها، فلم يعد دور القيادة التربوية يقتصر على إدارة المدرسة وترتيب جداول الدروس وحفظ النظام بل إن فعالية دورها يتعلق بتحسين كفاية العملية التعليمية. ان نجاح المدرسة في تحقيق أهدافها ورسالتها مرتبط بالكيفية التي يدير بها مدير المدرسة مدرسته والأسلوب الريادي الذي يمارسه، والصفات القيادية التي تتمثل في شخصيته وقدرته على توظيف إمكاناته نحو العمل البناء الذي يكفل تكوين علاقات إنسانية إيجابية بين المعلمين وحفزهم على العطاء المستمر، حيث ان أهم تحدٍ يواجه التعليم هو بناء قيادات تربوية فعالة داخل بيئة إيجابية تؤمن بأهمية دورها في تحقيق الإنجاز والتفوق التربوي، ولا يزال هذا المفهوم هو المقياس الشائع الذي يستدل به على مدى تقدم المؤسسة التربوية من عدمها.

وقد ذكر (سرجيوفاني 1980) أن القيادة هي سلوك الفرد الذي يمارسه عندما يوجه الأنشطة والأعمال التي يقوم بها الاخرون من أجل تحقيق الأهداف المطلوبة. ونجاح المدير كقائد تربوي يتحدد بوجود علاقة إيجابية بين أربع مهارات:

1. المهارة الذاتية.

2. المهارة الفنية.

3. المهارة الإنسانية.

4. المهارة الذهنية.

يخطئ كثيرا من يظن أن من يرأس المدرسة الناجحة هو مدير تعليمي، فقد قال وليام كوهن ماثيو عالم الاجتماع وأحد أعظم الطيارين الأمريكيين في الحرب العالمية الثانية بأن كل نجاح في كل مؤسسة يقف خلفه قائد متمرس دؤوب من أجل الفوز والتقدم لمؤسسته التي يقف خلفها.

تلعب القيادة الفعالة دورا مهما في تحقيق النجاحات عبر صراع ومنافسة وتحدّ مع الجهات المماثلة لإحراز التفوق والنجاح من خلال القدرة على توجيه المؤسسة لتطبيق سياسات ومفاهيم التفوق التي حددها كوهن بالآتي:

1. حدد هدفك.

2. اتصل بهؤلاء الذين تقودهم.

3. اعمل بجرأة.

4. كن حازماً.

5. سيطر على الموقف.

6. ضع نصب عينك مثلا قياديا

7. وظف الاشخاص المناسبين لك وتخلص ممن هم دون ذلك.


اما ريتشارد ديل – فقد وضع نموذجاً للنجاح والتميز القيادي التربوي في الاتي:
1. التركيز على مفهوم القائد بدلاً من المدير أو الرئيس.

2. الادارة جهاز تنفيذي للأوامر والقوانين.

3. القيادة تعمل على تشجيع افكار العاملين وتثبيتها، القيادة تأخذ زمام المبادرة من أجل الابتكار والتجديد في النظام واستعمال افضل البدائل لتحقيق التميز.

ولكي يحقق القائد النجاح فقد وصف لو نورمان شوارسكوف ثمانية قوانين يلتزم بها القائد لتوصله الى هدفه المنشود وهي الاتي:

1. التزم الامانة المطلقة

2. اعرف جوهرك

3. اعلن عن آمالك

4. اظهر التزاماً غير عادي

5. توقع نتائج إيجابية

6.اعتن بالعاملين معك

7. قدم الواجب على نفسك

8. كن في المقدمة

إن في حياة كل أمة من الأمم لحظات يشعر فيها المواطنون بعطش للريادة والتقدم وخوض غمار المحاولة والتجربة لامتصاص ندى الحقيقة ونتائج التجارب فيعملون بدافع من طموحاتهم نحو الافضل وعلى النقيض نجد ان هنالك فئة من الناس لا تبالي بالجد والتقدم والحصول على الأفضل وتراهم ينقادون نحو الجهل والبلادة والكسل وهذه كلها مظاهر معطلة للنشاط العقلي ومحبطة للإبداع. لقد شاء الله أن يكملنا بالعقل الذي تنيره التجربة وتفتح آفاقه المحاولة. والعقل سبيلنا الى تدبر أمور حياتنا ووسيلتنا لإخصاب الأرض وإتقان صنع أدوات الفلاحة وتطوير وسائل الزراعة وسائر العلوم الضرورية للحياة. إن عظمة الأمم وسعادتها تتناسبان مع درجة ثقافتها ودورها في محاربة الجهل الذي يتوارى خلف جميع السلبيات وبذور الشر الأخلاقي والرذائل والمصائب التي تحل بالأمم. العلم والصناعة رمزان لتقدم الأمم وتطور المنشآت وتعبير واع عن رغبة الناس في تحسين الآلية التي يدار بها واقع المجتمع بما يتواءم وسيرورة الوفاق ومتطلبات التطور الحضاري العالمي، كما أن ارتباط المعارف بالصناعة شجع الناس على تطوير العلوم وإجراء العديد من المحاولات والتجارب من أجل تسهيل أمور حياتهم ووسائل العيش واختراع بدائل لتحسين الأداء والتغلب على المستحيل، وتحقيق التكيف الجغرافي والإنساني مع الواقع المعاش. الطريق صوب الابداع وتغيير ما هو كائن للأفضل هو شعور ذاتي لدى الفرد بعدم الرضا لما هو كائن والرغبة في تطويره للأحسن سعيا للتميز. كل شعور يداخلنا هو استباق للمستقبل، وللنظر الى اتجاه افكارنا في أي لحظة كانت نجد أننا نهتم بما هو موجود ولكننا نهتم به في سبيل ما لو وجد بالدرجة المثلى، أفكارنا تسافر بنا نحو الأفضل وارتقاب المستقبل، المستقبل امامنا يدعونا اليه ويحلق بنا في آفاقه ويرافق مسيرة حياتنا، كل هذه تصوغ خياراتنا صوب التقدم وأن نعمل دوما فكل عمل ركيزة من بناء المستقبل . فذكر ما لم يعد صالحا واستباق ما الذي يجب أن يكون تلكم هي الوظيفة الأولى للشعور عند القائد، والنظرة الفاحصة للحالة التي نحن بصددها أن الشعور بعدم الرضا عنها يولد التفكير في البديل الأحسن وهذه أول خطى الابداع وتفرد الانسان وعظمة تكوينه. وبما أن الطاقة هي مصدر الحياة نفسها، والأفكار مصدر الإبداع والتغيير للأحسن، يصبح الإبداع الدافع الحيوي لكل المبادرات الإنسانية للتطور والتقدم. حاول وجرب وافشل فكما يقول (ألبرت انشتاين) إذا لم تحاول وتنجح مرة وتخفق أخرى فإنك غير مبدع أو مبتكر أو لديك أفكار جديدة (وهذه كلها صفات القادة المبدعين).

إن ثقافة الإصرار والعزيمة تملي على القائد الطموح، الذي يستشرف التفوق بأن لا ينسحب أمام الصعاب التي تعترض طريقه بل يواصل سيره بقدر ما تسمح به الظروف فالصعاب التي تواجهنا هي اختبار لعقولنا في التفكير عن حلول، لتجاوزها علينا الاستعانة بالحكمة التي تقول: إن لم تسمح لك الظروف بالتقدم فأوجد أنت الظروف التي تسمح لك بالتقدم، ومواصلة العزم والتصميم فمن كانت قوته نابعة من التغلب على الشدائد فهو يملك القوة على تخطي العقبات) وقد روي عن نابليون قوله لا تخيفني العقبات فقد انتصرت على الشدائد.

إن ميلودراما الاسلوب الصارم والتجهم الدرامي العابس من المعلم يؤدي إلى تنامي الإحساس بالقهر والإحباط النفسي للتلميذ نحو السؤال – الدهشة-والاستغراب والذين هم أساس التعلم وإبراز الأفكار الخلاقة وعند القائد الفطن تختفي مثل هذه الامور!

في ضمائرنا نعترف ونحن نواجه عالماً متغيراً بأن الوعظ القسري للتلميذ بالصمت وعدم الحركة باعتبارهما معطلين للفهم والإدراك حسبما يراه المعلم وسجل القوانين المدرسية العتيقة، أمر تخطاه الزمن ولا ينفع مجتمعنا. لقد أنضبت هذه الدساتير التي عفى عليها الدهر، الحيوية المتوقدة لدى الدارس فالطاقة تتضاءل الى صمت وسكون، والخيال المبدع ينقلب الى استسلام وفكر مؤود، ويضع التلميذ في (تابو) عتيق ومسالك نصف معتمة، مما يؤدي إلى خطل في الرأي وضبابية في التفكير، الأمر الذي يجعل مقولة (نعوم تشوموسكي) مجالا لنا للتفكير فيها فهو قد انتقد اسلوب تعليمه بقوله "تعليمنا نظام قهري يصدر الجهل" أرجو ان لا يأتي على تعليمنا يوم تنطبق عليه هذه المقولة أن أمتنا لم يعد بإمكانها تبرير تقصيرها ونقائصها بحجة الإمكانات غير المتاحة إن رهان السنوات القادمة هو رهان التعليم، إن اقامة نظام تعليمي افضل وقيادة تربوية فاعلة ليس وهماً من الأوهام فالقيادة التعليمية الناجحة تقف وراء كل تطور يحصل في الكون وجميع الاكتشافات العلمية هي حصيلة لنظام تعليم يجمع بين العلوم والعقل المستنير والقيادة المتميزة، إن سلطان العقل بات يتسع ويمتد ليشارك في عملية بناء مجتمع الخير والنماء وتقديم الحلول الناجحة لجميع قضايا الامة لكنه بدون تعليم كفؤ وقيادة طموحة يبدو هذا المطلب عسيراً. إن المشكلات التي تواجه التعليم لا يمكن اختزالها في قضايا الكلفة المادية، ولا يمكن جعلها رهينة الاقتصاد والإدارة، بل يجب تناولها في إطار المسائل المتعلقة بالقيم والعرف ومكانة التعليم والدخول في حوار نقدي مع المجتمع حول معنى التعليم وهدفه وعلاقته بالقيم والموروثات، من منطلق ان التعليم ممارسة انسانية واخلاقية تعكس حقيقة الحياة والمجتمع وما ينبغي ان يكون عليه المستقبل وهذه هي الوظيفة الاساسية للقائد التربوي. وتحضرنا في هذا السياق نظرية (ادم سميث) صاحب كتاب ثروة الامم الذي اكد بأن الفكر الانساني الفردي هو مصدر الثروة بما يقدمه من افكار جديدة واساليب محسنة للإنتاج ومساهمة في التقدم وان على التعليم واجب الاعتناء بالأفراد وتشجيعهم على البحث والمحاولة والتجربة اضافة الى تعزيز قيم مهمة مثل الانضباط والكفاءة والاحترام الاجتماعي. ويضيف (شولتز) إلى ذلك دور التعليم في تطوير اساليبه نحو احلال التغيير في التلاميذ على مستوى عال من الابداع والموهبة وقدرات واعدة على العمل بطرق جديدة اهمها كيفية التفكير بدلا من كيفية التصرف. بناء الإنسان هو الهدف الرئيس لثروة الأمم، إن إنشاء وتكوين رأس المال القومي لا يكون بالمال، وانما بالتغيرات التي يحدثها التعليم في الاشخاص الذين يمتلكون مهارات وإمكانات قادرة على التجديد والتطوير وهم الثروة الحقيقية للأمم وهذا ما يعمل به كل القادة التربويين المخلصين في تنميتهم للجيل الناشئ الطموح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق